انفلونزا الخنازير ... العدوى والوقاية


ربما كانت هذه هي المرة الأولي التي نواجه فيها مثل هذا الموقف منذ حوالي واحد وأربعين عاما حيث كان آخر وباء أصاب العالم بفيروس الإنفلونزا' هونج كونج' عام1968, وراح ضحيته مليون شخص حول العالم, إلا إننا آنذاك لم نشعر بهذا الرعب الذي يجتاح الناس ووسائل الإعلام, فقد أصبح العالم قرية صغيرة من خلال الإنترنت, والساتيلايت والفضائيات, التي تجعل دبة النملة أشبه بوقع أقدام الفيل.
ولعلنا نحاول خلال هذه السطور أن نجيب عن بعض الأسئلة عن الوباء القادم حسب ما هو متوافر لنا من معلومات حتي الآن, و هناك ثلاثة أوبئة اجتاحت العالم خلال القرن الماضي, ولعلنا نعرف قدر ما يمكن أن يسببه فيروس الإنفلونزا من خسارة, إذا تتبعنا انتشار العدوي كوباء خلال هذا القرن, ففي عام1918-1919 قتل فيروس الإنفلونزا حوالي40-50 مليون شخص من الذين أصابتهم العدوي, وقد أطلق العلماء علي الفيروس المسبب لهذا الوباء' الإنفلونزا الإسبانية'H1N1 حسب ما يعتقد أنه المكان الذي بدأ منه انتشار الوباء, وفي عام1957 كان وباء' الإنفلونزا الآسيوية', أما في عام1968 فكانت' إنفلونزا هونج كونج', وكثير من الناس ومنهم بعض الأطباء المتخصصين يظنون أن فيروسH1N1 الذي نواجهه الآن والذي أطلقوا عليه اسم' إنفلونزا الخنازير' هو نفسه الذي سبب وباء1918, وهذا خطأ, فالفيروس الذي نواجهه اليوم يحمل نفس الاسم ولكنه فيروس جديد تماما, تبين من خلال التحليل الجيني له بعد عزله من بعض الحالات في الولايات المتحدة أنه مكون من جينات4 سلالات هي: إنفلونزا الخنازير بأمريكا الشمالية, إنفلونزا الطيور بأمريكا الشمالية, الإنفلونزا الموسمية البشرية, وكذلك إنفلونزا الخنازير الموجودة في آسيا وأوروبا, ولكن كيف تم هذا الخلط الذي جمع من جينات كل هذه السلالات في فيروس واحد ؟
من المعتقد أن الخنازير هي البوتقة التي تحدث داخل خلاياها هذه الخلطة السرية, فالخنزير يمكن أن يصاب بكل هذه السلالات في نفس الوقت, ففيروس الإنفلونزا البشري تصيب أعراضه البشر منذ أكثر من ثلاثة آلاف عاما, إلا أن الفيروس نفسه لم يتم عزله أو اكتشافه إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي, وينقسم إلي ثلاثة أنواع أA, بB, جـC, والأخير ليس ذات قيمة في إحداث العدوي, ويظل فيروس أA هو الأخطر علي الإطلاق, وهو الذي يصيب كلا من الإنسان والحيوان والطيور, ويمكن أن يسبب الأوبئة المختلفة, وانفلونزا الخنازيرتسببها سلالة من سلالات فيروس الإنفلونزا الذي ينتمي إلي النوع أA, ولو شبهنا فيروس الإنفلونزا بإرهابي خطير يريد دخول مكان محصن ليقوم بعملية إرهابية, والحارس المقيم علي هذا المكان( الجهاز المناعي) لا يستطيع التعرف علي هذا الإرهابي إلا من خلال ما يرتدي من ملابس, وأن هذا الإرهابي لديه16 قميصا, و9 بنطلونات مختلفة, وفي كل مرة يحاول الدخول يرتدي طاقما مختلفا مستخدما التباديل والتوافيق بينها, لكي يخدع الحارس ويقوم بعمليته الإرهابية, فليس هناك من سبيل في هذه الحالة من تأمين المكان سوي من خلال مراقبة ما يلبسه هذا الإرهابي قبل وصوله إلي المكان, وإبلاغ الحارس بمواصفاته,
لكي يستطيع أن يتعرف عليه ويوقفه, وهذا ما يحدث في حالة التطعيم أو أخذ اللقاح الواقي' الفاكسين', الذي يتم تصنيعه كل عام حسب السلالات المنتشرة في نفس العام, إلا أنه زيادة في التمويه, فإن هذا الإرهابي كل فترة معينة يستخرج بطاقة شخصية ورقما قوميا جديدا بحيث يستطيع خداع الحارس إذا عرفه من ملابسه وحاول إيقافه, وفي هذه الحالة يستطيع الدخول بمنتهي السهولة ليفعل ما يشاء دون أي مقاومة, وفي هذه الحالة تحدث جائحة أو وباء عالمي يذهب ضحيته ملايين من البشر.
وفيروس إنفلونزا الخنازير, اكتشفت إصابة الخنازير به منذ عام1930, وسجلت حالات انتقال للعدوي من الخنزير إلي الإنسان, وأيضا من الإنسان إلي الإنسان, ففي عام1976 أصيب200 شخص بالعدوي وتوفي واحد في نيوجيرسي بذلك الفيروس, وتكررت العدوي عام1988 في ويسكونسين وتوفي واحد, وهناك سلالة أخري من إنفلونزا الخنازير اكتشفت عام1998 هيH3N2, إلا إن هذه الإصابات كانت خفيفة قبل أن تحدث هذه الطفرة في السلالةH1N1, والأعراض المرضية التي تنتج عن الإصابة بالفيروس الحالي هي نفس الأعراض التي يسببها كل من الإنفلونزا الموسمية وإنفلونزا الطيور, وتبدأ الأعراض المرضية في الظهور وتكون علي شكل رشح أو زكام نتيجة إصابة الأغشية المخاطية التي تكاثر الفيروس بداخلها ودمرها, و التهاب في الحلق, وسعال جاف, وارتفاع في درجة الحرارة( أكثر من38.5 درجة مئوية), مع وجود آلام حادة وتكسير في شتي أنحاء الجسم, وفقدان الشهية, والإحساس بالإجهاد والتعب لأقل مجهود, وإذا حدثت عدوي بكتيرية ثانوية بالإضافة إلي عدوي فيروس الإنفلونزا, فإن الأمر يزداد سوءا, وقد يصاب الإنسان بالتهاب رئوي حاد وغير ذلك من المضاعفات الخطيرة.
ولعل تشابه الأعراض يزيد من القلق والتوتر والوسوسة لدي معظم الناس, إلا أن المرض لم تسجل به أي حالات في مصر حتي كتابة هذه السطور, وبناء عليه فتوقع المرض يكون في حالات الإصابة بالعدوي خلال أسبوع من السفر إلي البلاد التي التي سجلت فيها حالات إصابة( فترة الحضانة1-7 أيام), أو الاحتكاك بشخص من هذه البلاد, أو الاحتكاك المباشر مع الخنازير أو الطيور( أرجو ألا ننسي أن لدينا عدوي متوطنة بإنفلونزا الطيور), وهناك من التحاليل ما يستطيع أن يؤكد أو ينفي وجود العدوي بالفيروس. والحقيقة أن التطعيم أو اللقاح الموجود حاليا لهذا النوع هو خاص بالخنازير, ولا يوجد تطعيم أو لقاح للوقاية في البشر حتي الآن, وليس من المتوقع الوصول لذلك قبل فترة3_6 شهور. أما بالنسبة للعلاج فهناك عقاران يمكن استخدامهما في أول48 ساعة من حدوث العدوي وهما:' تاميفلو' ويؤخذ علي شكل أقراص, وكذلك' ريلينزا' وهو علي شكل بخاخ.
بقي أن نناقش قرار إعدام الخنازير الذي تلقفته وكالات الأنباء ومنظمة الصحة العالمية لكي تنتقد مصر وتلومها عليه خاصة مع عدم وجود أي عدوي في الخنازير, وقد استضافتني قناة الجزيرة الانجليزية للتعقيب علي هذه الانتقادات يوم الخميس الماضي, وعلي الرغم من أنني لم أكن صاحب اقتراح الإعدام ولكن بح صوتي من أجل النقل, وإذا كانوا يريدون تربيتها فينبغي أن يكون ذلك في بيئة نظيفة, وليس وسط القمامة والقاذورات دون أي إشراف صحي أو طبي, إلا إنني غير معترض علي الذبح للتخلص من تلك المزارع في الوقت الحالي, ليس بسبب إنفلونزا الخنازير لأنها خرجت من القمقم, وأصبح انتقالها بكفاءة عن طريق البشر أنفسهم, إلا إن وجهة نظري أننا دولة أصبحت فيها إنفلونزا الطيور متوطنة, وأصبحنا أعلي معدل في انتقال العدوي من الطيور إلي البشر عام2009, مما يدل علي صعوبة تغيير سلوكيات العامة في التعامل مع هذا الوباء, ووجود هذا الكم من مزارع الخنازير وسط المناطق المأهولة بالسكان, والمكشوفة والمملوءة بالقاذورات وبقايا الطعام حيث يمكن أن تهبط عليها الطيور المهاجرة وتحدث الطفرة التي يمكن أن تسبب جائحة بسلالة أخري هي إنفلونزا الطيورH5N1, ويتم نشر عدواها عن طريق جامعي القمامة, وتكون هذه هي المرة الأولي التي تحدث فيها جائحة بسلالتين جديدتين في نفس الوقت, فيا منظمة الصحة العالمية' أهل مكة أدري بشعابها' وبسلوكيات أهلها. ينبغي طبعا ترصد القادمين من الأماكن المسجل بها حالات إصابة بالعدوي في المطارات والمواني ونقط الحدود للتأكد من عدم إصابتهم, والاستعداد بالأقنعة والمطهرات والأدوية اللازمة للتعامل مع الموقف, وتجهيز الفريق الطبي والصحي المعاون والمدرب لمواجهة الأزمة.. إلخ, كما أن هناك بعض السلوكيات التي يمكن أن تقلل من انتشار عدوي الإنفلونزا حيث إن الفيروس ينتقل عن طريق الرذاذ والنفس وأحيانا الملامسة, وهذه السلوكيات تتمثل في تجنب الوجود في الأماكن المزدحمة والمغلقة دون لزوم, وتجنب التقبيل,وتجنب الاحتكاك بالطيور والخنازير بشكل مباشر دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة, كما يجب غسل اليدين باستمرار لمدة نصف دقيقة بالماء والصابون,, وضرورة فتح النوافذ وتجديد الهواء في أماكن التجمعات مثل الفصول وأتوبيسات المدارس, وتجنب الانتقال بشكل حاد من الأماكن الدافئة أو الساخنة إلي الأماكن الباردة. كما يجب تحسين قدرة الجهاز المناعي ومساعدته من خلال الإكثار من فيتامينات موانع الأكسدة مثل فيتامين أA, جC, هE, والزنك, والسيلنيوم

0 Comments:

Post a Comment